الأربعاء، 26 يناير 2011

التسنطيح المغربي

إستطيقا البساطة






في هذا الموضوع أود لفت الانتباه إلى ارتباط مجموعة من المظاهر في حياتنا اليومية، والتي تعبر عن مستوانا الثقافي ومدى تحضرنا وتفضح عقلياتنا.
وسنناقش هاهنا نقطة محددة وهي مدى انسجام المغاربة مع ذواتهم؟ ولماذا التصنع والتكبر والعنجهية في سلوكياتهم اليومية؟
لنكتشف بسهولة أن التخلف التربوي والثقافي والمستوى التمدني المتدني هو مصدر الكثير من هذه المظاهر المضحكة والغريبة واللاعقلانية.
ومصدر  ذلك في نظرنا إلى أن الأنانية المفرطة والتكبر و"النفخة الكذابة" ناتجة عن ظروف الفقر، وأن "التسنطيح" يكون في الغالب مصحوبا بـ "فراغ الرأس من العلم والمعلومات والثقافة". فالمغربي يفهم في كل شيء، ويستطيع أن يتكلم في أي شيء. ومن الصعب عليه أن
كثير من المظاهر الغريبة نعيشها يوميا نريد من خلالها إثبات أمور معينة. ولسنا إلا كما "الدونكيشوت دي لامانشا" نحارب طواحين الهواء، ونهدر طاقة نحن في أمس الحاجة إليها للعيش أسوياء وتلقائيين بل وطبيعيين.
و سنعرض هاهنا للعديد من "الفلاشات" والنماذج التي يظهر فيها مدى غرابة واقعنا وتصنعنا في شكل "لقطات" من اليومي والمعيش:

- تجد المغربي يسير كالطاووس في الشارع، نافخا ريشه كنعامة، وسجينا للعيش في شخصية وفي قناع لا يمت بصلة إليه. فتجده في النهاية مسخا مشوها فقير الجيب، وفقير العلم، وفقير التمدن والتحضر.. ومع ذلك، بل ولذلك يتصرف بقناع غير وجهه الحقيقي، ويلبس شخصية ليست شخصية، وبالتالي يعيش ازدواجية للشخصية تحيل حياته إلى جحيم كان في غنى عنه.


وبالنسبة للأسر المغربية؛ كم كان التبذير سببا في شقاء الأسرة ووقوعها تحت أعباء الديون وتشريد أفرادها وافتراق الزوجين نتيجة الإسراف وطلب إرضاء الناس والرغبة في التفاخر. ثم  من صعب الحياة الزوجية أكثر من التنافس الفارغ بين الأسر، وتحويل الحياة الزوجية بعد الزواج إلى مشاكل تدور حول الطحين والزيت والبوطة والزربية والقشوع والصالة والثلاجة والبارابول..
وبالنسبة للمرأة، تجدها تسير شبه مقوسة أو عرجاء جراء تصميمها للسير بحذاء ذو كعب عال في منظر يثير الضحك والاشمئزاز والغرابة، وإذا كان حذاء يناسب لباسا معينا فرغم ضيقه والألم الذي يحدثه في الأرجل فيكون التصميم على ارتداءه هو سيد الموقف!

وبالنسبة للمرأة، تجدها تسير شبه مقوسة أو عرجاء جراء تصميمها للسير بحذاء ذو كعب عال في منظر يثير الضحك والاشمئزاز والغرابة، وإذا كان حذاء يناسب لباسا معينا فرغم ضيقه والألم الذي يحدثه في الأرجل فيكون التصميم على ارتداءه هو سيد الموقف!
والأنوثة اليوم أين هي؟ فالأنوثة الصحيحة الحقيقية هي أجمل الأوطان التي يهجع إليها الرجل ويفيء. ثم من ذا الذي يستطيع أن يفجر كل ما في الرجل من رجولة وخير وخصب وعبقرية وإبداع غير الأنوثة الحق. والأنوثة ليست جسدا فحسب، هي تجسد للحب المقدس، دلع، غنج، جمال، رقة، روح مهذبة، حياء، تعلق نبيل بالرجل, بدل "المتنمصات" الماسخات الوجوه... الأمر الذي لم يعد يقتصر اليوم على النساء بل يتعداه إلى الرجال ومن يراقب أخبارنا الوطنية سيلاحظ بعضا من هؤلاء!
 إننا مع الإغراء الراقي الذي لا يقوم على العري والابتذال وتسليع الأنثى بل على خفة الدم والروح والجمال المحتشم الوقور. إذ ليست الأنوثة بصبغ الأظافر بعد تطويلها، وحلق الحواجب، وتلطيخ الوجه بالمساحيق والألوان واللباس اللصيق بالجسم المبرز للمفاتن، والدلال الذي نقصد هو تلك الأنوثة الطافحة الممكنة دون عري وخلاخل تجلجل وأحذية تطقطق... ففي سورة النور، الآية 31.  يقول عز و جل {‏وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‏}‏. إذن نحن لا نحرم المرأة من حق من حقوقها وخصلة من خصالها طبيعية متجدرة، بل الزينة حلال على المرأة، وتلبية لفطرتها، فكل أنثى مولعة بأن تكون جميلة، ومهما اختلفت الزينة عبر العصور، تبقى في الفطرة واحد، المهم هو الاعتدال.
- وعلى مستوى المظهر العام وانسجام الذات؛ نضرب المثل بالأوربي الذي تحرر من عقدة الذات وعقدة الآخر، وأصبح منسجما مع ذاته يلبس ألبسة عادية لكنه يكون منسجما فيها ومعها، بينما تجدنا نلبس ما يرضي الناس والموضة، ونندس رغما عنا في ألبسة لا تلاءمنا أولا نستطيع التلاؤم معها لأننا نعيش في "سجن الجسد"، لا نستطيع العيش متحررين من سجننا اللامرئي وبالتالي نعيش نشازا واضحا في ذواتنا وشخوصنا من خلال مظهرنا العام. فليس العبرة فيما نلبس، بل العبرة في قدرتنا على أن نكون منسجمين مع ذواتنا تم مع ما نلبس. لأن لباس الشخصية التي نحملها معنا أهم من لباس "الخرق" التي على ظهورنا. تجد الأوربي يمشي الهوينى في الشارع العام بشكل منسجم وبسيط، بينما تجد المغربي "كيدابز مع يدو ورجليه"!
- وعلى مستوى الذوق العام؛ يمكن أن نعقد مقارنة بين بعض المدن المغربية لنعرف أنه ليس بكثرة المداخل وقوة الاستثمارات يمكننا العيش في مدن رائعة وجميلة، إذ يمكن أن نضرب المثل هاهنا بمدن مثل شفشاون وأصيلة، مدينتان أنيقتان و رائعتان، ليس بسبب من الأموال الطائلة في تجهيزهما بل بالأساس بقليل من الإرادة في العمل وقليل من قوة و جودة الفكرة، و قليل من النظافة... يمكننا الحصول على مدن متحضرة ومتمدنة. فشفشاون مثلا هي تلاحم بين لغة "الجير" و "الغرس"، وبهذين المعطيين البسيطين أصبحت المدينة من أجمل المدن المغربية و أروعها. ولنعطي مثالا حيا عن مسألة جودة الفكرة و إرادة الجمال وبساطة العيش؛ فيمكن أن نلاحظ بسهولة في بيوت الغربيين أو حتى المثقفين من المغاربة، والتي رغم بساطتها تجدها تعبر عن الحس الفني والذوق الراقي، عكس بيوت بل "فيلات"  الموسرين والأغنياء المغاربة التي رغم الأموال الطائلة الموظفة في بناءها، تجدها بشعة وخالية من كل ذوق ومبلطة في الغالب بواجهة من الزليج أو الكرانيت، وأبواب مثل أبواب السجون، وأشكال هندسية شبيهة بالقلاع! مبان تعبر عن المستوى الثقافي الضحل لأصحابها...
- وعلى المستوى التواصلي والتعبيري؛ لا تجدنا نعبر بجمل واضحة ومصطلحات بسيطة وجمل سلسة وتعابير مفهومة. على العكس من ذلك نتعمد التعبير باللغات الأجنبية وبالمصطلحات المعقدة والجمل المركبة، محاولين استعراض عضلاتنا الفكرية وإظهار مدى تحضرنا ومستوى ثقافتنا وغزارة معلوماتنا. فتجد المغربي في حوار أو ندوة أو جمع عام يتحدث كالتالي: "إنه في العلاقة بين الثابت والمتحول وفي مستوى من الوجودية، نجدنا نتحدث بشكل منطقي عما يسمى إمبريقية. أما فيما يتعلق بالشروط الإنسانية فإنها تبقى بين مطرقة الذاتي في علاقتها بالمعطيات الموضوعية!" فيميل أحد الحاضرين إلى زميله قائلا "فلان كيشرشم الفلسفة!" مع العلم أنه لم يفقه شيئا مما كان يقال، فتصبح المسألة برمتها حوارا للبكم والصم!
- وبالنسبة للبورجوازية المتعفنة؛ نقول أنه بالبساطة بدل الغنى الفاحش يتعلم المسئولون والزعماء التعفف عن أموال الشعب التي اعتادوا أكلها بالباطل. لأن الغنى الحقيقي هو غنى المشاعر والروح والعقل والجمال والحب. وقديما قال الحكماء "زيادة التنعم ترهل الجسم، تميع النفس، وتجمد العاطفة".
- ودينيا؛ ليس أدل على فلسفة البساطة وقوتها في الدين والسنة أكثر من أن "أطيب الطيب: الماء"، و"أطيب الزينة: الكحل. والنتيجة؛ جمال محتشم وبدن سليم ليس كالذي تخلفه المستحضرات المصنعة اليوم من آثار جانبية لا تستفيد في النهاية منها إلا الشركات الكبرى التي لا يهمها إلا تسويق البضاعة والربح الأكيد الوفير.
وقس على ذلك... ولا بد أن في أذهانكم وأنتم تقرءون هاته التفاهات التي كتبت أعلاه ما يغني عن الأمثلة التي قدمت!

و في النهاية نقول أن للبساطة وقع أصيل وعميق ومستمر، وللتصنع أثر كذاب، مزيف وزائل، وتشوه في الشكل وفي الهوية والكينونة.
وفلسفة البساطة لا تتطلب إلا: التلقائية بدل التصنع، والبساطة في الهندام والديكور بدل البهرجة،  والكلام من الخط ذاته بدل محادثة الآخرين من فوق، وقس على ذلك...
فقد يكون الإسراف في الترف، والإغراق في الاستكثار من أدوات الزينة والكماليات، والعيش من خلال قناع كذاب، والاستعلاء و"النفخة الكذابة"، والتبجح بالحديث بلغة موليير وشكسبير ضدا على لغة سيبويه... دليلا على فقر ثقافي، واستلاب فكري، وجوهر فاسد، وانعدام للثقة في النفس، وما خفي كان أعظم!
 وكل عام وأنتم بسطاء، منسجمون مع ذواتكم متواضعون ورائعون.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك المحتوى

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More