الاثنين، 14 فبراير 2011

الأمازيغية و قضية الصحراء

الأمازيغية و قضية الصحراء 
بدأ الأمر باحتجاجات فردية من بعض سكان المدينة . سمعنا بأنها إحتجاجات إجتماعية محضة لا تطالب بالمستحيل، فقط العدالة والمساوة في توزيع عطايا الدولة على رعاياها الصحراويين(بقع أرضية،التوظيفات المباشرة,بطائق الانعاش...).جميل جدا,مطالب منطقية معقولة،رغم أن أسلوب الإمتيازات والتفاضل في التعامل مع المواطنين غيرديموقراطي. شيئا فشيئا تزايدت حدةالإحتجاجات، و نظرا لتماطل المسؤولين المحليين في مقابل إلحاح المحتجين، صعد هؤلاء الموقف فقرروا - وتحت أعين السلطة - إقامة أكبر إعتصام مدني بتاريخ المنطقة على شكل مخيم ضم حوالي 20000 محتج، مخيم ‹أكديم إزيك›. إضطرت السلطة المركزية إلى التفاوض بنفسها مع المحتجين لاسيما و أن هناك محاولات لتسييس المخيم و تدويله ، و في صباح الثامن من نونبر إستيقظنا على وقع أحداث مأساوية رافقت عملية تفكيك المخيم فجأة، أحداث كشفت بالفعل عن وجود خلفيات إنفصالية لدى بعض عناصر المخيم، و خلفت تداعيات وطنية و دولية، وضعت على المحك مصداقية الدولة المغربية في تدبير ملف هذه المنطقة الحساسة جدا،كما فجرت نقاشا وطنيا حول هذا الملف،الذي تحتكر تدبيره ‹حكومة الظل›، توج بتنظيم مسيرة تاريخية للتأكيد مجددا – بعد المسيرة الخضراء - على مغربية الصحراء،مسيرة و إن كانت في سياقها الحقيقي جاءت كرد فعل على نجاح البوليزاريو و حلفاؤه في إستمالة البرلمان الأوروبي أمام فشل الدبلوماسية المغربية في ذلك، كما أن إختزالها من طرف المنظمين في التنديد بالحزب الشعبي الإسباني حد من قيمتها، و طرح أسئلة حول جدوى حشد ملايين من المواطنين لمجرد التنديد بموقف حزب إسباني معروف عنه دائما معاكسته لمصالح المغرب؟ ثم أليس من الممكن أن تتخذ هذه المسيرة مسارا آخر أكثر فعالية لصالح الموقف المغربي، لو نظمت في الوقت المناسب، و بعنوان يلائم حجم و نوعية المشاركة الشعبية فيها؟ و على أي حال فهي حدث مهم أعاد إلى الواجهة مسألة إشراك الحراك الشعبي و المدني في إدارة قضية الصحراء،لاسيما وأن المقاربة الرسمية للقضية لم تعر الإهتمام اللازم لهذه المسألة ، منذ حدث المسيرة الخضراء،حيث إتسمت في مجملها بإهمال دور الشارع المدني في التعبئة، و التكتم على تطورات الملف، مما خلف إلى حد ما نوعا آخر من الإهمال و اللامبالاة بالقضية الوطنية الأولى من طرف أجيال ما بعد المسيرة،و هذا ما أثبتته تفاعلات ‹أكديم إزيك› إذ أبانت عن جهل شرائح واسعة من المجتمع بحقيقة القضية و ملابساتها التاريخية، إضافة إلى عدم الوعي بالأهمية الاستراتيجية و المصيرية للصحراء بالنسبة لوجود المغرب . و في مقابل هذا اللا وعي بالقضايا الوطنية المصيرية تقوم الإيديولوجية الرسمية و كل من يدور في فلكها من أحزاب و نخب قومية بتوجيه الرأي العام الوطني نحو قضايا أجنبية - لم تحظى بالإجماع حتى من أصحابها - و تصريف طاقاته التعبوية في ما لا يفيد البلد في شيء.

إن ما وقع في ‹أكديم إزيك› هو حصيلة تراكمات من الأخطاء القاتلة في تدبير قضية الصحراء من طرف الدولة ، ترجع في عمقها إلى بنية الدولة نفسها و طبيعتها التي لم تستوفي بعد شروط الدولة الديمقراطية القادرة على تجاوز أزماتها بآ ليات ديمقراطية ناجعة تفسح المجال أمام المواطنين للمشاركة في صياغة الحلول . فالدولة المغربية مطالبة ليس فقط بتصحيح أخطاءها في الصحراء و غيرها من مناطق المغرب ، و لكن بمراجعة حقيقية ، بعيدا عن الشعارات الجوفاء ، لهويتهما السياسية و الدستورية حتى تصبح بالفعل دولة مؤسسات فاعلة و شفافة تترجم قراراتها بأمانة حقائق الواقع . فبدون مثل هﺫه المراجعة يمكن لنفس الأخطاء أن تتكرر هنا و هناك ما دامت القيم و المرجعيات السابقة هي نفسها الموجهة للفعل السياسي.

يجب إذن أن نعلم بأن الوضعية الراهنة بالصحراء هي تحصيل حاصل يمتد في جذوره إلى طريقة بناء الدولة العصرية غداة الاستقلال الأعرج ، حيث إنفردت نخبة الحركة الوطنية بتقرير مصير البلد مع المستعمر في ‹اكس ليبان› دون أن تتوفر على رؤية واضحة لمعالم المشروع السياسي و المجتمعي الذي يليق بالمغرب ، فجعلت من الحصول على ‹الاستقلال› و خلافة الاستعمار على السلطة غاية لها دون أن تفكر بجدية في مرحلة ما بعد الاستقلال ، و تجاهلت في هذا الصدد تصورات قادة المقاومة الوطنية و على رأسهم عبد الكريم الخطابي الذي كان يصر على أن صوت البندقية هو سبيل الإستقلال و السيادة الحقيقية ، و مؤكدا على أنه لا معنى للإستقلال بدون توحيد التراب المغربي بكل أجزاءه المبعثرة و الإنسحاب الشامل لكافة الجيوش الأجنبية من التراب الوطني بما في ذلك الصحراء . غير أن النخبة المدينية إتهمت الخطابي بأنه وطني بدائي فشكلت دولة بإيديوجيتها الأحادية المتعالية عن معطيات الواقع ، و تحت قيادة حزب الاستقلال . و هكذا ولدت الدولة المغربية العصرية تحمل في بذورها الأولى الفشل في كل شيء لتستهل مشوارها السياسي بالعنف و قمع كل من يختلف مع طروحات حزب الاستقلال الذي أقام مراكز سرية لتصفية الوطنيين الصادقين وقام بقصف الريف في 57 و 59 ، فحدثت خروقات فظيعة وتوالت سنوات الرصاص فتمخض عن ذلك وضع سياسي و اجتماعي متوتر إستنزف طاقات و جهود كثيرة كان من الممكن أن تستثمر في تشييد مغرب قوي . و في هذا السياق المتسم بالعنف في معالجة المشاكل الداخلية بدأت ملامح التوجه الانفصالي تلوح في الصحراء كرد فعل على قصور الدولة في القيام بواجبها التحريري تجاه المنطقة و في وقته المناسب . و غداة المسيرة واصلت الدولة أساليب القمع لإحتواء إحتجاجات الطلبة و المواطنين بالمنطقة ، فكان الخطأ القديم و الجديد وراء ظهور مصيبة البوليزاريو التي وجدت أرضية خصبة للنمو ، تمثلت في زحف الإيديولوجية العروبية على شمال إفريقيا بقيادة ‹زعيم العرب› و ‹ملك ملوك إفريقيا› . و بتنسيق بين هذا الأخيرو جزائر الثورة الاشتراكية تشكل حلف إقليمي مصاب بهوس الثورة و معاداة الملكية و نجح في إستدراج مجموعة من الطلبة الصحراويين المستلبين بدورهم بإيديولوجية الثورة العروبية , فأوحى إليهم العقل العروبي الأخضر بخرافة ‹الجمهورية العربية الصحراوية›.

وهنا يحق لنا أن نتساءل من يهدد فعلا إستقرار المغرب و يسعى إلى تقطيع أوصاله خدمة لمصالح الإمبريالية و الصهيونية ، و ما شئت من صفات الأعداء ، هل هي الحركة الأمازيغية التي تناضل من أجل استكمال السيادة الحقيقية للوطن سياسيا و ثقافيا و توحيد شمال أفريقيا على أسس واقعية ، أم هي القومية العروبية التي أنتجت مشروع الإنفصال ووفرت له الدعم المالي و العسكري لزرع دويلة جنوب المغرب ؟

دويلة لو افترضنا نجاحها فهي لن تحيد عن المسار الذي سترسمه لها الأنظمة العروبية الراعية لها ، فإما نظام ديكتاتوري تحكمه إلى الأبد جبهة تحرير شبيهة بأمها الجزائرية أو زعيم ثوري مخلد أو في أحسن الأحوال نظام تناوبي يتناوب فيه على الكرسي ضباط عسكريون كما شاهدنا مرارا في موريتانيا . و قبل كل هذا كيف يستقيم الحديث عن دولة في منطقة لا يتعدى مجموع سكانها 370000 نسمة و لهم امتدادات قبلية و علاقات تاريخية بكل مناطق شمال أفريقيا لاسيما المغرب . فأين هو مقوم الشعب في هذه الحالة ؟

يجب أن نعلم بأن مفهوم ‹الشعب الصحراوي › هو من اختراع الاستعمار الإسباني عندما كان يستعد للرحيل عن الصحراء ، و ذلك لإيهام الرأي العام المحلي و الدولي بأن سكان الصحراء شعب متميز عن الشعب المغربي . و هو ما تروج له الأطروحة الإنفصالية حيث تطلقه على سكان المنطقة التي تريد أن تزرع فيها كيانا عروبيا متزمتا , أي منطقة ‹أسيف ن وورغ/ واد الذهب› و ‹تالات ازواغن/الساقية الحمراء›. و هنا يكمن تناقض فظيع , فكيف تخول البوليزاريو لنفسها أن تقسم سكان الصحراء و هم وحدة متكاملة إلى طرفين ، طرف ينتمي إلى مسمى ‹الشعب الصحراوي› و طرف آخر يقصى من هذا الاصطفاء الإيديولوجي؟ ثم ما دلالة مفهوم الصحراء عند البوليزاريو؟ هل يقتصر فقط على المناطق السابقة؟ ألا يتناقض هذا مع المعطيات التاريخية و الجغرافية و اللسانية....؟ و ماذا عن قيادات البوليزاريو التي لا تنحدر من هذه المناطق؟ فمثلا‹وزير الخارجية› محمد سالم ولد السالك من طرفاية و السيد‹المستشار› ماء العينين الصديق ينحدر من كلميم و مؤسس الجبهة الوالي الركيبي من طانطان.

إنها فعلا تناقضات تؤكد فعلا بأن البوليزاريو لا تمثل سكان الصحراء و لا تهمها مصالحهم المترابطة بقوة بالتكامل الجغرافي و الديمغرافي بين جميع مناطق الصحراء من جهة ، و بينها و باقي مجموع التراب المغربي من جهة ثانية خصوصا و أن جميع الشواهد على الأرض تؤكد دلك بقوة . فكل ما تسعى إليه البوليزاريو إذن هو تنفيذ أجندة خارجية ضد المغرب و في مقدمتها المخططات الجهنمية للنظام العسكري الجزائري ، الذي لم يخف نواياه العداءية ضد مصالح الشعب المغربي في أكثر من مناسبة كان أبرزها تقديمه مقترح تقسيم الصحراء إلى الأمم المتحدة في وقت سابق . و في سياق هذه المخططات الخطيرة نستحضرما نشرته مؤخرا وكالة ‹فرانس بريس› بأن الشبكة الكبرى لتهريب المخدرات و المكتشفة خلال الشهر الماضي في شمال مالي و موريتانيا تضم عناصر في البوليزاريو و رئيسها صحراوي يدعى سلطاني ولد احمادو, كما أوردت مجلة Jeunes Afriques في عددها الأخير بأن قياديين عسكريين في البوليزاريو إلتحقوا بتنظيم القاعدة ، دون أن ننسى تقارير المركزالأروبي للدراسات الأستراتجية والأمنية والتي تحذر من تحول البوليزاريو الى عصابة اجرامية وارهابية . فكل هده المؤشرات تدل على أن البوليزاريو لا علاقة لها بمصالح سكان الصحراء ، بل هي تنظيم مسلح من صنع الإستبداد الجزائري الليبي يمكن أن يتحول في أي لحظة إلى حركة إجرامية تهدد أمن المنطقة برمتها . فإلى متى سيستمر النظام الدموي بالجزائر في اللعب بالنار و العبث بمصالح شعوب المنطقة؟

واذا رجعنا إلى ورقة ‹أكديم ازيك› التي سلمتها الدولة المغربية مجانا إلى هؤلاء المتآمرين على مصالح الشعب المغربي ، فاستخدموها بذكاء في تأليب البرلمان الأوروبي و معه الرأي العام الإسباني ضد المغرب ، سنجد بأن الذي صنع قنبلة ‹أكديم ازيك› هو ممارسة الدولة لسلوكات شاذة ، في تعاطيها مع ملف الصحراء ، لا تمت بصلة إلى الشعارات الديمقراطية المتداولة . فلعبة تسمين و "تعليف" جماعة من الأعيان المرتزقة و شراء المواطنة من الناس بدل تربيتهم عليها كسلوك مدني يرتكز على معادلة الحق مقابل الواجب . هذه اللعبة القذرة و اللا ديمقراطية أدت إلى ميلاد ثقافة غريبة عن الصحراء و ساكنتها ، قيمها المواقف المزدوجة و الابتزاز و التواكل ، و هذا ما اعترف به الوالي الجديد بالعيون السيد الدخيل ، حيث نقل عنه قوله في اجتماع مع أعيان المنطقة بأن بطائق الإنعاش عودت الشباب الصحراوي الاتكاء و العجز عن العمل ، و يجب عليه في مقابل ذلك ولوج معاهد التكوين عوض انتظارصدقات الدولة . و هناك حالات كثيرة من المؤلفة قلوبهم عادوا من تندوف - و ربما من موريتانيا و الجزائر - إستفادو من تعويضات الدولة ليعودوا أدراجهم بعد ذلك . إن هذه القذارة إمتدت كذلك الى المسيرة الشعبية بالبيضاء التي يفترض فيها أن تكون مسيرة نظيفة تعبر عن مشاعر الوطنية الصادقة، حيث سلمت التعويضات لبعض المشاركين، خصوصا منهم المنحدرون من منطقــة الصحراء، وحرم منها غيرهم. إن مثل هذه المعاملة التفضيلية لا ولن تساهم في حل قضية الصحراء، وإنما تكرس في الواقع التمييز و التفرقة بين المواطنين ضدا على مبادىء المواطنة و حقوق الإنسان ، مما سيؤدي إلى انتشار مشاعر الحنـق و"الحكرة" في مقابل مشاعر الإستعلاء و الخروج عن القانون. أما مسألة الرهان على الأعيان و الممثلين المحليين، فقد تأكد من خلال الأحداث الأخيرة أن هذه الطبقة لا تمثل في الواقع إلا نفسها و أن همها هـو تحصين مصالحهــا ، و تصفيـــة الحسابات الشخصية فيما بينهم على حساب استقرار المتنطقة و مصالح سكانها . فهؤلاء القوم لم تعد لديهم أية مصداقية شعبية ، ويبدوا هذا واضحا من خلال رفض لجنة المخيم الحوار معهم، وطلبت عوض ذلك التفاوض مع السلطة المركزية . أكثر من هذا ، فرهان الدولة على المعطى القبلي لتحقيق التوازنات الاجتماعية ، شجع المشاعر القبلية و العصبية على الانتشار في المنطقة مما خلف معه استقطابات قبلية حادة كرد فعل على تغليب طرف قبلي على آخر . وهذا ما جسدته مثلاً المشاحنات التي وقعت بين قبيلتي ازركين و الركيبات بسبب التنافس على مراكز القرار المحلية ورغبة كل واحدة منها في الحفاظ على مناطق نفوذها التاريخية . وقد وصل هذا الصراع إلى حد تهديد ازركين بسحب ظهائرها السلطانية من محكمة لاهاي و مطالبة إسبانيا بالرجوع إلى تطبيق اتفاقية 1916 التي وقعتها مع القبيلة المعنية . و هكذا إذن يتبين لنا أن الدولة تساهم بأخطائها في إحياء القيم القبلية المتناقضة مع المشروع المجتمعي الحداثي الذي تدعيه. إن الأمر يتطلب بدل ذلك تشجيع قوى المجتمع المدني لبناء مجتمع يكون ولاؤه لقيم المواطنة المبنية على مفاهيم الحق و الواجب و القانون ، و الإيمان بالتعدد السياسي و الثقافي في إطار الوحدة الترابية مع فتح المجال أمام المواطنين للنقاش الحر و تداول مختلف الأفكار ذات الصلة بمصيرهم عبر قنوات ديمقراطية عصرية دون حاجة إلى الإحتماء بالثوب القبلي ، و وساطات الأعيان و الشيوخ الذين يركب بعضهم على مطالب السكان للمتاجرة بها سياسيا و اقتصاديا. إن هذا التغير الاجتماعي لن يحدث إلا بترك حرية العمل المدني من طرف الدولة للحركات و الجمعيات المدنية و الحقوقية المرتكزة على قيم الحداثة و الديمقراطية و التي تكون غايتها هي تغيير العقليات التقليدية و بناء المواطن الفاعل ، و ليس التطاحن على المناصب السياسية و الثروات المحلية كما هو شان أغلب الأحزاب السياسية القائمة على إستقطاب الأعيان القبلية من أجل الظفر بأكبر عدد من المناصب والإمتيازات بالمنطقة . و من بين الحركات التي يعول عليها لكي تلعب دورا فعالا في هذا التغيير الديمقراطي و بالتالي حلحلة مشكل الصحراء ، نذكر الحركة الأمازيغية باعتبارها حركة تؤمن بقيم التعددية و مبادىء حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية و الثقافية و الاقتصادية التي لا تقبل التجزيء، إضافة إلى قدرتها على بلورة خطاب قوي يستند إلى أسس علمية و معطيات واقعية ، مما جعله يحظى بمصداقية لدى الكثير من الفعاليات الوطنية و الدولية . و من هذا المنطلق يتوجب على الحركة الأمازيغية أن تكون في مستوى خطابها و القيم الديمقراطية التي تدافع عنها و ذلك بان تعيد ترميم صفوفها و تنسيق مواقفها حتى تستطيع أن تنخرط بوعي ناضج و رؤية شمولية في التأثير بفعالية على مجريات قضية الصحراء بل و في صناعة أحداثها، عن طريق تكثيف حضورها الجمعوي و النضالي في المنطقة بما سيجعلها رقما مهما لا يمكن تجاهله في وضع ترتيبات مستقبلية لإنهاء النزاع بالمنطقة،لاسيما و أن الوضع الراهن يشير إلى أن هناك توجها أحاديا فقط في التعامل مع المنطقة يقصي كل ماله علاقة ببعدها الأمازيغي، الشيء الذي يمكن أن يتكرر معه مرة أخرى سيناريو ما بعد الإستقلال . وحتى لا تكون في غفلة عن هذا ، فينطبق عليها المثل الأمازيغي الذي يقول " يويت وسيف إناك كضيغ إلغدير" ، يمكن للحركة الأمازيغية أن تعمل وفق مسارات ثلاثة أساسية و هي :

- مسار العمل الديمقراطي الحداثي: و هو مسار يمكن للحركة الأمازيغية أن تساهم عبره في ترسيخ السلوك المدني و قيم الانفتاح على الآخر و تعزيز التواصل و التلاقح بين مختلف التجليات الثقافية و اللسانية بالمنطقة خصوصا الأمازيغية و الحسانية،مع العمل على استئصال كل مظاهر الفكر القبلي و العنصري المنتشر بين ساكنة المنطقة تجاه كل ما يخالف الثقافة الحسانية،خصوصا الأمازيغية منه، من قبيل : ‹ الشلحة ما هي كلام›، ‹الشلح وكال الملح›،‹يا عيني من الشلوحة› ، ‹إلى عاد تبط شلح تضحك ليك لملايكة› و غيرها من الأقوال الموغلة في العنصرية، و التي يمكن أن تكون عواقبها خطيرة جدا في حالة تجاهلها،مما يتطلب محاصرتها بأساليب حضارية متنوعة مثل العمل الجمعوي و الإبداعات الفنية و الموسيقية المشتركة،وهكذا مثلا فبدل أن نهرول نحو "روميكسات" موسيقية مع أنماط غربية،نبادر أولا إلى فعل ذلك بين فنوننا المتنوعة كالحساني والسوسي والكناوي و الملحون والشعبي ...إذ أننا بحاجة أولا إلى أن ننفتح على بعضنا البعض قبل أن ننفتح على الآخرين . كما يجب على الحركة الأمازيغية أن تكثف نضالها السياسي و الشعبي لوقف مؤامرة طمس الهوية الأمازيغية للصحراء، و العمل على إقرار التعدد الثقافي و اللغوي كما هو في الواقع و ترجمته في السياسات الرسمية و البلدية ، فالمؤشرات الحالية تكشف بأن السياسة الرسمية المتبعة في الصحراء، خصوصا في جانبها الثقافي،لا محل فيها لأي شيء يمت بصلة إلى الهوية الأمازيغية للصحراء . فالظهير المؤسس للكوركاس مثلا لم يذكر و لو بإشارة الهوية الأمازيغية للصحراء ، و لا حتى مسألة التعدد الثقافي و اللغوي فيها، و اقتصر فقط على ذكر الثقافة الحسانية . نفس الأسلوب الإقصائي تجاه الأمازيغية نجده في قناة و إذاعة العيون الجهوية . أما إذا انتقلنا إلى خطاب الطرف الآخر في النزاع فالمصيبة أعظم،إذ سنجد أنفسنا أمام مشروع عروبي تخريبي لهوية المنطقة يسعى إلى إستنباب الفتنة العروبية في تربة لم تكن و لن تكون قابلة لمثل هذه البذور الفاسدة المستوردة من أرض الإنقلابات و الأنظمة الاستبدادية و الصراعات الطائفية في إستخفاف سافر بحقائق الواقع و التاريخ . من هنا يتعين على الحركة الأمازيغية العمل في أكثر من واجهة لإفشال هذه المشاريع الإيديولوجية التي تقصي الهوية الأمازيغية للمنطقة.

- مسار علمي ثقافي : و هو مسار راكمت فيه الحركة تجارب مهمة داخل المغرب، و أثمر نتائج كبيرة في إعادة تشكيل الوعي الهوياتي لدى الكثير من المغاربة، و يستهدف تصحيح العديد من المفاهيم و المغالطات التاريخية و الاجتماعية حول الصحراء، سواء تلك التي روجتها إيديولوجيا العروبة بطرفيها البوليزاريو و الدولة أو تلك التي سقط فيها بعض المناضلين بالحركة الأمازيغية نفسها تحت تأثير الايدولوجيا السابقة . و هكذا و وفق هذا المسار يجب العمل على نفض الغبار الإيديولوجي عن الحقيقة الأمازيغية للصحراء إستنادا الى الحقائق التاريخية و الطوبونيمية و الأنتروبولوجية،وكما هو معلوم تاريخيا فإمبراطورية المرابطين مثلا تأسست بسواعد قبائل إزناكن "صنهاجة" الأمازيغية إنطلاقا من الصحراء ، وأبرز زعمائها يوسف بن تاشفين كان لا يتكلم إلا بالأمازيغية ، فبدون شك ستكون فلول هذه القبائل و آثارها متواجدة بالصحراء،وهذا الوجود الأمازيغي المتجذر هو الذي جعل منطقة الصحراء تنطق بالأمازيغية عبر مختلف جوانبها الطبونمية واللسانية و الثقافية . ولعل أسماء الأماكن والقبائل الحالية تؤكد هذه الحقيقة بكل وضوح : أوسرد -أمغالا – أكديم إيزيك - تندوف - تفارتي - أسا - طان طان - إخف نير - إزركين - مجاط - تيدرارين - أيت لحسن - أيت يكوت - إزناكن...، و في هذا السياق ينبغي التأكيد على أن هناك فعلا قبائل أمازيغية كثيرة سواء في الصحراء أو غيرها من مناطق المغرب، تعرضت للتعريب – لسانيا – دون أن يعني ذلك إنسلاخها عن الهوية الأمازيغية،لأن هذه الأخيرة أكبر من أن تختزل في البعد اللساني فقط ، و الأنطربولوجيا لها كلمتها الحاسمة في هذا الباب. أكثر من ذلك فمنطقة الصحراء الكبرى بكاملها هي العمق التاريخي للشعب الأمازيغي، ففيها اكتشفت العديد من نقوش تيفناغ، كما هو الحال مثلا بمدينة السمارة التي وجدت فيها بعض هذه النقوش بشهادة الدكتور حمداتي ماء العينين وفق ما أورده عميد البحث الأمازيغي بالمغرب الأستاذ محمد شفيق في "لمحته" . و إلى يومنا هذا مازالت قبائل إيموهاغ "الطوارق" الأمازيغية متواجدة بالمنطقة، وجود متجذر يعود في تاريخه إلى آلاف السنين، حيث طبعوا الصحراء الكبرى بثقافتهم و قيمهم الأمازيغية في كل مجالات الحياة الإجتماعية و اللسانية و الفنية،كطريقة اللباس و الطبخ و الكلام و الفن، الشيء الذي أثر على قبائل بني حسان العربية التي لم يمض على وجودها بالمنطقة إلا بضع قرون، بعد دخول الإسلام و معه العرب إلى بلاد الأمازيغ أو ما يسميه المؤرخون سابقا "بلاد البربر" . ففي الصحراء المغربية مثلا نجد كلمات أمازيغية صرفة في مجال الطبخ،من قبيل أسماء الوجبات : ‹تيدكيت› ، ‹تيشطار› ، ‹أفشاي› ، ‹إمكلي› أو أنواع الحلي ك : ‹أمزرد› ، ‹أمجوز› ، ‹أزرو› إلى غير ذلك من تجليات الثقافة الأمازيغية على أرض الصحراء مما يحتاج الى دراسات علمية متخصصة. و بناء على هذا يصح الحديث عن مفهوم ‹الصحراء الامازيغية› أو ‹صحراء الأمازيغ› المحتضنة لكل الأعراق و المنفتحة على كل الثقافات في مقابل مفهوم ‹أمازيغ الصحراء› الذي يسقط ضمنيا في فخ التمييز العرقي، و يختزل الهوية الأمازيغية في البعد العرقي فقط،مما يتنافى مع التصور العلمي و العصري لمفهوم الهوية المستمدة أساسا من عنصر الأرض و من يملكها تاريخيا،لأنه لا يوجد في أي مكان عرق خالص.

فالهوية الأمازيغية إذن لا تخص المنحدرون من العرق الأمازيغي أو الأمازيغفونيون فقط ، بل هي هوية يتقاسمها كل الذين تحتضنهم هذه الأرض الأمازيغية عبر التاريخ من مختلف الأعراق و الألسن و الأديان، إنها الهوية التي توحد الجميع و تجعلهم شعبا واحدا . و على هذا الأساس يتضح لنا الدور الحيوي و الحاسم الذي ستضطلع به الحركة الأمازيغية في قضية الصحراء ليس باعتبارها حركة تمثل فئة عرقية خالصة، و إنما باعتبارها تجليا طبيعيا لوعي تاريخي مبني على حقائق الواقع و العلوم الإنسانية، و باعتبارها دعوة إلى الديمقراطية الشاملة بكل أبعادها السياسية و الثقافية و اللغوية، ديمقراطية التعدد و التنوع في إطار وطن موحد يستطيع إسترجاع أدواره التاريخية و سيادته الكاملة،لاسيما و أن موقعه الجغرافي إلى جانب رصيده التاريخي و الثقافي يؤهله لأكثر من دور، فننتقل بذلك من شعب يصنعه التاريخ إلى شعب يصنع هو بنفسه التاريخ، و لنا في تركيا و إيران عبرة، أمتان إسلاميتان إنطلقت كل واحدة منهما من هويتهما الثقافية و التاريخية لترميم ذاتها و الإنخراط مجدادا و بفاعالية في ركب الحضارة الإنسانية.

مسار العلاقات الدولية : تستطيع الحركة الأمازيغية أن تتحرك على الصعيد الدولي في أكثر من اتجاه لتأكيد الهوية الأمازيغية للصحراء و بالتالي قطع الطريق على أطروحة الإنفصال العروبي، و ذلك من منطلق عدالة القضية الأمازيغية و المصداقية التي يحظى بها الخطاب النضالي الأمازيغي لدى الأوساط الحقوقية العالمية و العديد من الدوائر السياسية الدولية . و نشير في هذا السياق مثلا الى مكانة الحركة الأمازيغية في المنتدى الأممي للشعوب الأصلية و اللجنة الأممية للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية واللجنة الأممية لمناهضة التمييزالعنصري ، إضافة إلى أن التطورات النوعية التي شهدها خطاب حقوق الإنسان في العالم كلها تصب في اتجاه الأطروحة الأمازيغية، من ذلك مثلا الإعلان العالمي للتنوع الثقافي الصادر بباريس سنة 2005 . كما نسجل في هذا المسار، الناجح الذي حققته الحركة الأمازيغية في إختراق الرأي العام الإسباني ، الذي له تأثير كبير في مجريات القضية الصحراوية ، بفضل العمل الجمعوي الأمازيغي و تواجد جالية كبيرة

من الأمازيغوفونيين، وتوج هذا الحضور النوعي للخطاب الأمازيغي في إسبانيا باستقبال الحركة الأمازيغية سنة 2008 من طرف البرلمان الإسباني ، الذي انحاز مؤخراً إلى أطروحة الانفصال . كما أن التنسيق بين الحركة الأمازيغية بالمغرب و مثيلاتها في باقي البلدان الأمازيغية لا سيما الجزائر ، سيساهم في محاصرة أطروحة الانفصال العروبي بالصحراء و عزلها إقليميا .

يجب التأكيد إذن على أن قضية الصحراء جزء لا يتجزأ من القضية الأمازيغية الشاملة، و أن أي فصل لمنطقة الصحراء عن المغرب لإقامة كيان عروبي عليها هو إعتداء خطير على الهوية الأمازيغية لهذه الأرض و سكانها ينضاف إلى سلسلة الاعتداءات المتواصلة منذ قرون لإبادة الهوية الأمازيغية لسكان شمال أفريقيا ، وعزل بعضهم عن بعض في كنتونات سياسية ضعيفة تقودها أنظمة استبدادية تنشر الحقد و الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، و تقسمها إلى شعوب وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، فهذا " "شعب عربي صحراوي" و هذا "شعب عربي مغربي" وذاك "شعب عربي جزائري" ...

وخلف هذا الشعب العربي الوحيد و المتعدد في نفس الوقت تختفي الحقيقة الأمازيغية، لكنها ستنبعث من جديد، لأن الحقيقة لم توجد لتختفي بل وجدت لتنكشف.

إنها إذن مهمة تاريخية تنتظر الحركة الأمازيغية لتصحيح المسار الحضاري لشعوب شمال أفريقيا، مهمة قد تبدو حلما بعيد المنال، لكنها ممكنة إذا توفر لها الإعداد الفكري و النضال الواعي و التخطيط الدقيق، بدءاً بتوحيد الصف الأمازيغي وحسن تدبير اختلافاته.

" نكرات أخ نيغ نطاس نسنس أسفيون نبي أوال ، ديغ راد تنكرم أتنكرم زوند يان نك مناو " الشاعر علي شوهاد
الكاتب: عبد الرحمان بن ال

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك المحتوى

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More