الاثنين، 24 يناير 2011

وجهة نظر على مقاس المبتدئين

وجهة نظر على مقاس المبتدئين
إن الأفراد الذين يصنَّفون ويدركون على أنهم أفراد مختلفون في سياق ما، يمكن أن يعاد تصنيفهم ويدركوا كأفراد متشابهين في سياق آخر من دون أي تغيير حقيقي في الأوضاع.أي أن تصنيف الفرد لنفسه ضمن إطار معين قد يشكل بطريقة أو بأخرى انغلاقا على ذاته، ومن ثم فصله عن الآخرين. من هنا يحق لنا استنطاق لسان حال ميشيل فوكو وهو يتساءل: ماذا يصنع المرء بنفسه ؟ كيف ينحكم قائما بأعمال يكون فيها هو ذاته هدفا لها ؟ لا أجد هنا داعيا للتذكير بأن شعب شمال إفريقيا كله أمازيغي الأصل، وأن من يدّعون عروبتهم على أرضها إنما هم واهمون باستثناء من لازال في وضعية هجرة متواصلة ! كما لست أعتقد أن الكائنات العادية من الجنس البشري تستطيع أن تكون سعيدة دون وجود المنافسة، لأنها – أي المنافسة – كانت منذ الإنسان، الحافز لأهم الفعاليات. ولذلك فيجب أن لا نحاول أن نلغي المنافسة وإنما أن نراعي أن لا تتخذ اتجاهات ضارة كثيرا (1) ؛ فالإنسان في معظم الأوقات وفي معظم الأماكن لم يكن يعتبر نفسه نوعا يتنافس مع الأنواع الأخرى. إذ لم يكن اهتمامه موجها إلى " الإنسان " بل إلى " الناس "، وقد قسم الناس تقسيما محددا إلى أصدقاء وأعداء (2). ولنأخذ هذه المقاربة لدحض مقولة الاختلاف وتعدد الثقافات أو الهويات على مستوى أرض تمّازغا. فمثالا على ذلك وتقريبا للصّورة أكثر؛ يبدوا من الوهلة الأولى أن "الشعب المغربي" مقسّم إلى عدّة تصنيفات: عربي|أمازيغي. أبيض|أسود. صحراوي|داخلي. جنوبي|شمالي. دركي|مواطن. برجوازي|بلوريطاري... كل هذه ترتيبات وتصنيفات يمكن لأي مواطن عادي أن يتخيلها من منطلق كونه ملاحظا بسيطا من بعيد. أي كأنّنا أجزاء مختلفة ومكدّسة في إطار معيّن لا وحدة بيننا بتاتا. نشكّل نحن الأمازيغ جزءا من هذا الإطار، لنا ثقافتنا وعاداتنا وآلهتنا ولغتنا ومشاعرنا وفوضويَّتنا ... على أن الأجزاء الأخرى منفصلة تماما عن انتمائها الأكبر لأرض تمّازغا ! ألا تلزمنا عقليّة على مقاس هؤلاء الأمازيغ " المستلبين ".
كما نجد - والأزمة تشتدّ هنا أكثر - بعض المقولات تروّج داخل أسوار الساحة الجامعية المغربية من قبيل: نتضامن مع كل الشعوب الأصلية التواقة للتحرّر، ويضاف على هذه الجملة " الشعب الطوارقي "! وفي بعض الأحيان، الشعب الجزائري، أو الليبي أو التونسي. هنا يدعونا العقل السليم للتساؤل من جديد: عن أي وحدة أمازيغية نتحدث ؟ ألا تلزمنا عقلية على مقاس هؤلاء أيضا ؟ هل بدأنا حقيقة في استرجاع المقولات الكولونيالية ؟ أم أننا لم نفهم بعد على ما تتأسس الإمبراطوريات ؟ هل استطاع النظام العروبي (المخزني) ومؤسساته القائمة بغرب شمالي إفريقيا استلهامنا فكرة الدّولة والخصوصية والمصالح الخاصّة والمعاهد والتعدد الثقافي والجهوية...؟ أم أنّ نمط العيش التقليدي يحثّنا على الالتفات حول رقعة الأرض التي نطأها بأقدامنا (النظرية الانقسامية)؟. كلما قصدناه يعني في المقابل أن يكون المرء عالما صغيرا فريدا من خلال انعكاس العالم على ذاته (3). وعن أي عالم نتحدث ؟ إنها الإمبراطورية .
لا نريد الإطناب في الحديث عن مدى الهوّة التي أحدثها صراع الشعب الأمازيغي مع المحتل ومؤسساته لا على المستوى المحلّي أو العام باعتبار شمال إفريقيا أرضا أمازيغية بامتياز. هل يجب في الحقيقة أن نذّكر بفحوى صفحات التّاريخ التي تحمل في طيّاتها كيف جُزّأت أرض تمازغا إلى دويلات نشأت الأجيال الجديدة على كونها الأصل، كما نشأ البعض على مقولة 12 قرنا من تاريخ المغرب؟ هل صارت شمال إفريقيا كلمة يجمعها الفم فقط ؟ أم مجرّد خريطة ملوّنة على صفحات كتب التاريخ والجغرافيين ؟ أم أجزاء كعكة لا يليق بنا تشاركها مع الآخرين ؟
كيف نجعل في خطابنا رؤية موحدة لصورة عامة تتجسد كلّما أحسسنا بثقل ما نحمله من همّ تركته على عاتقنا آمال من نتغنّى بأسمائهم في كل مرّة نودُّ فيها تمرير خطابات قزميّة جوفاء ردا على " الجنجويد " أو " الحركات الإسلام-سياسية " أو " الخبزيين " ... متقوقعين كل يوم داخل خطابات عقيمة لا ترقى إلى مستوى ما يفترضه الواقع المرّ الذي نتخبط فيه نحن الأمازيغ. إن المعضلة هنا ليست أن هذه الأشكال من المنافسة سيئة، إنها تصنِّف الآخر المستلب على أنه جزء أخر من تلك الأجزاء المكدّسة في إطار واحد ! ما الذي قدَّمناه لهذه القضية ولهؤلاء الشهداء والمعتقلين والمشرَّدين والمستلبين وهذا الشعب سوى استذكار أمجاد من مات على كلمة " تمّازغا " ؟ متناسين أنهم تركوها ثقلا كبيرا على أعناقنا . إلى أي حد استطعنا أن نوصل أقدام كل فرد أمازيغي بشبكة عروق وشريانات هذه الأرض الجريحة ؟
قد يرُّد عليَّ البعض قائلا: لقد قمنا وفعلنا وأنجزنا واحتججنا واعتُقِلنا وعُنِّفنا وأوصلنا الخطاب إلى الشارع السياسي.... . ولهؤلاء أقول لقد قُتِل " معتوب لونيس" بخمس طلقات ناريَّة وكانت كلماته الأخيرة: تمّازغا.. تمّازغا.. تمّازغا.. تمّازغا.. تمّازغا، على عدد الطلقات التي قتِل بها. وكان ابن رُقعة جغرافية جبليّة صغيرة.
" إن الناس لا يحبُّون، في معظم الأحيان، أولئك الذين يجدونهم يجلسون إلى جانبهم في السيّارات العامة، ولكنهم يحبونهم أثناء الغارة الجوية ( حيث يكونون جميعا محشورين في المخبأ ) "(4).

(4-2-1) من كتابي: " السلطة والفرد " و " المجتمع البشري في الأخلاق والسياسة "، برتراند راسل.
(3) كتاب : " الوجودية "، جون ماكوري.
 

الكاتب: محمد العمراني

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك المحتوى

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More