الأحد، 23 يناير 2011

الأمويون والقوميون.. عرابوا الفكر الشعوبي ج2


الأمويون والقوميون.. عرابوا الفكر الشعوبي ج 2



قد يعتقد بعضنا أن العروبية والشعوبية قد اختفت بانتهاء حكم الأمويين ، وانتقال الخلافة إلى العباسيين الذي قربوا الأعاجم ، لأنهم هم الذراع الأيمن في تأسيس دولتهم ، غير أن الحقيقة تُظهر أن الشعوبية غيرت موقعها فقط ، فأصبح العرب هم المتضررون من تسلط الموالي على السلطة عبر التأثير الفارسي ، والبويهي والتركي ، وهو ما انتج خلافة صورية ، بحكام أعاجم فعليين إلا ماندر ، وهو ما رسخ فكرة التقاتل والتنافس بين الأخوة الأعداء ووصل الحد الى إشهار السلاح فيما بين المسلمين ، بدعاوي عرقية أحيانا أو اختلافات مذهبية أخرى ، وهو مارسخ اعتقادا بأن الدولة الإسلامية شابها الكثير من التجاوزات والمظاهر التي تنزع عنها صفة الإسلام ، فهي في حقيقتها دول عضوض برداء شكلي إسمه الإسلام ، ويستمر الحال على حاله سقوط ونهوض ، ثم سقوطات و تخلف عام الى أن أطل علينا القرن العشرين ، عصر الإقتباس والتقليد من الغرب ، وأهم ما وصلنا وإن متأخرا ليس البدع الصناعية واساليب التمكين الإقتصادي والصناعي وإنما وصلنا الفكر القومي الأوربي ، الذي هو في تقديري هو استنبات وإحياء لفكر عصبية القبيلة عند العرب .

العروبية والشعوبية في القرن العشرين **:
عرف نشوء القوميات في أوربا زخما كبيرا ،خلال العصور الحديثة ، ونشأت دول قومية، حققت انتصارات ظرفية كانت قدوة في التنظير للعرب المشارقة ، وحلما طالما راودهم في بناء دولة قومية أسوة بغيرهم من الأقوام خاصة ألمانيا التي كانت نموذجا يحتدى به في هذا الميدان ،ولو على حساب أكبر دولة إسلامية آنذك وهي الدولة العثمانية . ونفس الإتجاه سار عليه الفرس في مقارعتهم للمد العثماني في الشرق .وأهم المنطلقات التي شجعت العروبيين على بعث هذه النزعة العصبية (وكأن التاريخ يعيد نفسه) لكن بأساليب جديدة: **انشاء حزب تركي قومي في اطار مايسمى بالحركة الطورانية مناويء للخلافة العثمانية ، ويهدف الى تكوين دولة للشعب التركي على اساس قومي. .**استلهام فكرة القومية من التجربة الألمانية القائلة بوجود قومية ثقافية ، إلا أن العروبيين لم يتحقق لهم ذلك الا ما بعد الحرب الكونية الأولى، بفضل السند الديني والفكري الذي أمده محمد عبده،وجمال الدين الأفغاني ، اللذان دعا الى حكم عربي مستقل ذاتيا عن الخلافة العثمانية ،من أجل احياء الاسلام الذي أصابه الركود..**استغل الأنجليز الفرصة وتنفذوا داخل عرب الجزيرة ، بفضل حنكة لورانس العرب الذي ساعد على نشر الفكر القومي والإمداد بالسلاح لإقامة دولة عربية...، ويعد هذا الضابط الإنجليزي لورانس الذي استغفل العرب المسلمين ولبس ملابسهم وقاد -وهو الإنجليزي النصراني- ما سُمي زورًا بالثورة العربية الكبرى، وجعلهم يقاتلون إخوانهم المسلمين في الخلافة الإسلامية العثمانية وهو ما يدل على قمة خبث هذا الرجل وقمة خيبة من اتبعه من العرب حتى أطلقوا عليه اسم( لورانس العرب)، وقد كتب في مذكراته ما يدل على صناعته للفكر القومي العربي حيث قال: "وأخذت طول الطريق أفكر في سوريا وفي الحج وأتساءل: هل تتغلب القومية ذات يوم على النزعة الدينية (يقصد الإسلام)؟ وهل يغلب الاعتقاد( الوطني) الاعتقاد الديني؟ وبمعنى أوضح: هل تحل المثل العليا السياسية مكان الوحي والإلهام (القرآن والسنة)، وتستبدل سوريا مثلها الأعلى الديني بمثلها الأعلى الوطني؟ هذا ما كان يجول بخاطري طوال الطريق" هكذا كانت سوريا في المخطط الصليبي، ولم يتأخر لورانس في تنفيذ مخططه على الأرض، فقد كان خبيرًا بكيفية التحايل على العرب، وبدأ يغرس الفكر القومي بديلاً عن الإسلام عند العرب ، وقد سمى مذكراته (أعمدة الحكمة السبعة) ومن اللافت للإنتباه أن قوات الاحتلال البريطاني في العراق الآن تنصح جنودها بقراءة مذكراته للاستفادة منها في التعامل مع العرب !؟
**كما أمكن العثور على مفاهيم القومية العربية في كتابات بعض المفكرين المسيحيين الذين طمحوا إلى الاستقلال بدعوى تفوقهم الثقافي والعرقي على العثمانيين ، الذين الحقوا بالبلاد الخراب والدمار . وعلى راسهم ، (ميشيل عفلق) مؤسس حزب البعث العربي القائل في كتابه (سبيل البعث) ما يفضح عداءه للإسلام كدين مهيمن يجب الانقياد له وحده إذ قال: "إن الأمة العربية تفصح عن نفسها بأشكال متنوعة في تشريع حمورابي، وتارة في الشعر الجاهلي، وتارة بدين محمد (!!) وأخرى بعصر المأمون".
**زيادة عن السند الفكري الذي أمده ساطع الحصري للقضية ، والذي يعد أحد المنظرين الكبار للقومية العربية. وكانت غالبية السكان غير مستعدة للانفصال عن الدولة العثمانية ، وما النداءات الإصلاحية إلا من أجل تحسين وضعها ،لمجابهة الخطر الغربي المعزز بتكنولوجية سلاحية لم تتوفر للعثمانيين بعد.الثورة العربية بزعامة الحسين بن علي شريف مكة **:تعد هذه الثورة التي أعقبت هزيمة دول المحور ،الشرارة الأولى المؤججة لحركة القومية العربية ، وإن كانت في ظاهرها تبدو وكانها تمردا إسلاميا من أجل المحافظة على الاسلام ، لكنها بأيادي عربية ،بعد رفض العثمانيين منح الاستقلال الذاتي وملكية وراثية لشريف مكة ، وساعدت أحداث فلسطين بين سنوات 1936/1939 على تحفيز المد العروبي في الشرق الأوسط ، .
-
استطاعت الأنظمة التي احتضنت فكرة القومية العربية في كل من- سوريا ومصر والعراق ثم ليبيا عن طريق الاستبداد والقهر والاستيلاء على أجهزة الإعلام وتعميق الجهل بالإسلام ومحاربة الدعاة المصلحين- أن تسلب المسلمين أصحاب الدين الحق والأرض والسيادة، بل والأكثرية العددية تمكنت من أن تسلبهم حقهم في السيادة على أرضهم بعقيدتهم الإسلامية لصالح الأفكار الوثنية ، كالقومية والوطنية ، وكان لافتًا دفاع النصارى والدروز وغيرهم من الأقليات عن القومية العربية بكل ما يستطيعون، في الوقت الذي لم يتنازلوا فيه عن عصبياتهم الطائفية المضادة للإسلام والمسلمين مرة واحدة. فتنكروا لتعا ليم الاسلام ، وهمشوا اللغات الأصلية ، وفرقوا بين الأمة التي أصبحت متناحرة متصارعة لغايات وأهداف ذاتية ، وظهرت الأفكار المضادة للقومية العربية على لسان أساطينها ، ( أو ما يسمى الشعوبية الجديدة ) تجلت في أحمد لطفي السيد ، ومن سار في نهجه ، أمثال عبد العزيز فهمي ، علي عبد الرزاق ، أحمد أمين ، وطه حسين الذي قال : (هذه الحضارة الاسلامية الرائعة ، لم يأت بها المسلمون من بلاد العرب ، وإنما أتو ببعضها من هذه البلاد - ويقصد مصر – وببعضها الآخر من مجوس الفرس ، ومن نصارى الروم ...).ونفس المنحى سار عليه المفكر السوري صاحب صدمة الحداثة ، ساخرا من قيم التراث والدين والأدب والشعر .وبذلك أصبح مسلم اليوم يعيش ازمة فقدان الشعور بالانتماء بسبب العولمة ، والعالمية والأنظمة المستبدة ، وأصبح في غياهب اللامنتمي خاصة الملتزم منهم ، فهو يحمل جنسيتين ، جنسية الوطن الذي يعيش فيه ، وجنسية الإسلام الذي يعتنقه ، فانحصرت دائرة الوطنية وماتت ، وانحصرت دائرة القومية حتى انمحت ، فلم يبقى إلا الاسلام، . ومفهوم الوطنية عندنا متنوع قد يكون بقعة أرض نسكنها أو حاكم عميل نصفق له ، نحن وطنيون وحدود وطننا هي الأرض التي نسكنها، وأمة الإسلام التي نحمل جنسيتها في قلوبنا وليس في جيوبنا .
نتائج النزعة العروبية والشعوبية والعبرالمستخلصة منهما: **
يمكن تدوين جملة من الاستنتاجات طفت منذرة بهدم الذات الإسلامية ومقوماتها أمام طغيان الغرب الذي سعى ويسعى بكل ما أوتي من قوة لتجسيد شعوبية الأديان والثقافات، ولكن بسلاح أكثر فتكا ودمارا ، وهو الشيء الذي يحدث فعليا في غزة فلسطين والعراق ، ودارفور والصومال ، والبقية تأتي لا محالة اّذا استمر المسلمون في التناحر والاختلاف الدعوة غلى النكوصية ، وابراز مخالب آيات السيف الجهادية دون وزن للمقدرات ، وما فشل القمم العربية المتوالية إلا البرهان الساطع على الهوان الذي أصاب الأمة
النزوع القومي أمر طبيعي في البشرية ، (حب الانتساب) ،والأقوام من خلق الله سبحانه وتعالى ومن آياته اختلاف الألسن والألوان والأقوام ، ، فالقوم هو المادةالخامة التي تصنع الحضارة وتعمر بها الأرض ، إذا اهتدوا إلى عقيدة تنظم لهم التعارف والتعاون ، وتنبذ لهم التعصب والتمايز والتنابز بسبب الجنس أو العرق . وميزان الكرامة في الاسلام ليس الإنتساب للعرق والجنس ،واٍنما هو التقوى والعمل الصالح ، وتُشرف الأقوام بمقدار عطائها وإنتاجها الذي يعود على الأمة جميعها بالنفع والرخاء .

**
اٍن بعث العروبية والشعوبية من مرقدها ، يبعث على التمزق والتشرذم ، وهو واقع نعيشه اليوم ماثلا في الصراع السياسي والفكري والاستعلاء الطائفي . وهو مدعاة للشعوب المنضوية تحت خيمة العروبة بالمطالبة بحقوقها اللغوية والقومية ، لأن انتسابها شكلي فرضته الأنظمة الاستبدادية القائمة والمتشبعة بالفكر العروبي المستلهم من يقظة القومية العربية في عهد جمال عبد الناصر في بدايات منتصف القرن العشرين
.

لم يصدر لحدالآن اتفاق يرضي الجميع بشأن البلدان التي يشملها تعريف القومية العربية ، ماهي البلاد التي تنظوي تحت** التعريف ؟ وما هو الانسان الذي يشمله ؟ وهل فعلا بلاد الشام ومصر وشمال افريقيا بلاد عربية ، أم أنها تعربت بالإسلام ، وهو أمر دفع سكان هذه البلاد الى نزوع قومي مضاد أشد،فهم لا يرون إلا القومية الفنيقية في الشام ، والفرعونية بمصر ، والأمازيغية في شمال افريقيا
.
لا شك أن القومية العربية كانت ردفعل على النزعة الطورانية ، وتلك كانت غفلة ، وعدم تبصر للمستقبل ، فاذا كان العرب قد **تعلموا العصبية القومية من تركيا ، فإن أقواما أخرى اقتبسوها عن العرب ، وحولها سلاحا مدمرا للذات والملة
.
**سعى القوميون العرب الى تعطيل كل وحدة تنبني على غير العروبة ، فاعترضوا بشدة على فكرة الجامعة الاسلامية ، في بداية القرن العشرين ، وأسسوا الجامعة العربية بديلا لها ،والتي كانت من صنع بريطاني خالص ، هذه الجامعة لم تستطع انجاز شيء ،سوى تقزيم القضية الفلسطينية بجعلها قضية عرب ، وليس قضية مسلمين ، وأصبح الجهاد فيها ليس في سبيل الله ، بقدر ماهو سبيل العروبة
.
ظهور مفاهيم جديدة في الساحة ، فأصبح العدو الأجنبي بديلا للعدو الكافر،و أعداء العروبة بديلا لأعداء الاسلام ، وذلك برهان** على ان القوميين العرب لاتهمهم قضايا المسلمين في افغانستان ، وكشمير والشيشان ، والصومال ، ولم ينصروا مسلمي البوسنة والهرسك أيام محنتهم وحربهم مع صربيا ، فهم إدن منعزلون تماما عن قضايا الإسلام والمسلمين ، كما أن السلبية التي أظهروها خلال فترة العدوان الاسرائلي على غزة (يناير 2009) أثبتت فشل الجامعة العروبية فشلا ذريعا ، (حماس تدافع باسم الاسلام ، أكثر مما هو باسم العروبة) وكان موقف الطيب رجب أردوغان سليل محمد الفاتح العثماني أكثر جرأة و نصرة للقضايا العربية ؟ من العرب انفسهم
.
الخلاصة
**:
العالم الاسلامي يضم في تعداده ما يقارب المليار ونصف من البشر، من أجناس وألوان وشعوب مختلفة ، ويتكلمون لغات عديدة ، والعرب (جزء صغير من هذا التكوين) ، لهم الفضل في أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان منهم ، ولهم كل الفضل في نشر دعوة الإسلام وإيصالها إلى جزء كبير من عالمنا الاسلامي اليوم ، غير أننا لا ننكر أيضا جهود غيرهم من المسلمين في التضحية بأرواحهم وأموالهم من أجل نصرة الاسلام ،عبر حقب التاريخ المتتالية ، زيادة على ما قدموه من خدمة جليلة للحضارة الاسلامية في شتى مناحي الحياة ، والأمثلة التاريخية خير شاهدعلى ذلك ، لذا لايجب ان لا يزايد أحدا على غيره من المسلمين ، ويكفينا فخرا أننا من أمة واحدة بعقيدة واحدة ، وبآمال مستقبلية واحدة هي انهاء الغطرسة الصهونية ، على فلسطين المغتصبة التي مازالت جرحا داميا في جسد كل مسلم أينما كان في هذا العالم الفسيح



0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك المحتوى

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More